الآثار عن السلف والمفسرين أن مجرد الحكم بغير ما أنزل الله ليس بكفر مخرج من الملة

 حديث نبوي

٢٢٦٢٤- عن البراء بن عازب، عن النبي ﷺ في قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾: «في الكافرين كلها»(٤٠). (أخرجه مسلم ٣/١٣٢٧ (١٧٠٠) مطولًا بلفظ: في الكفار كلها، وابن جرير ٨/٤٥٧.


عبد الله بن مسعود 

٧٤١ - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ (عمَّار) الدُّهْني، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ مَسْروق، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ السُّحْت، أَهُوَ الرِّشوة فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: لَا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَالظَّالِمُونَ، وَالْفَاسِقُونَ، وَلَكِنَّ السُّحْت: أَنْ يَسْتَعِينَكَ رَجُلٌ عَلَى مَظْلَمَةٍ، فَيُهْدِيَ لَكَ، فَتَقْبَلَهُ، فَذَلِكَ السُّحت. [سنن سعيد بن منصور]


قال الخلال: قال أبو بكر: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا عبد العزيز العمي، قال: حدثني منصور بن المعتمر، عن سالم، عن أبي الجعد، عن مسروق، قال: سأل رجل عبد اللَّه بن مسعود عن السحت، فقال ابن مسعود: الرُّشا. فقال الرجل: الرشوة في الحكم؟ قال: ابن مسعود: لا، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧]. [الجامع لعلوم الإمام أحمد] رواها ابن بطة في باب الذنوب التي لا تصير بصاحبها إلا كفر بنقل عن الملة


ابن عباس

١٢٠٥٣ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن معمر بن راشد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافررن"، قال: هي به كفر، وليس كفرًا بالله وملائكته وكتبه ورسله.(٤٠) الطبري الأثر ١٢٠٥٣


[٦٤٣٥] حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ، ثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، ثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طاوُوسٍ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ: هي كَبِيرَةٌ قالَ ابْنُ طاوُسٍ: ولَيْسَ كَمَن كَفَرَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ. ورُوِيَ عَنْ عَطاءٍ أنَّهُ قالَ: كُفْرٌ دُونَ كُفُرٍ.


١٢٠٦٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم، فهو ظالم فاسقٌ. الطبري ث


[٦٤٣٤] حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ المُقْرِئُ، ثَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ جُحَيْرٍ، عَنْ طاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ: لَيْسَ هو بِالكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إلَيْهِ.


٢٢٦٢٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق عبيد الله بن عبد الله- قال: إنّما نزَّل الله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، و﴿الظالمون﴾، و﴿الفاسقون﴾ في اليهود خاصَّةً(٤٦). (٥/٣٢٤)

(٤٦) أخرجه سعيد بن منصور (٧٥٠ - تفسير). وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ، وابن مردويه. 


وفي سنن سعيد بن منصور حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّناد، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، و: ﴿الظالمون﴾، و: ﴿الفاسقون﴾ في اليهود خاصة.


وروى وكيع في أخبار القضاة أَخْبَرَنِي جعفر بْن الْحَسَن؛ قال: حَدَّثَنَا وهب بْن بقية؛ قال: حَدَّثَنَا خالد، عَن عطاء بْن السائب، عَن سعيد بْن جبير، عَن ابْن عَبَّاس؛ قال: نعم القوم أنتم؛ إن كان ما كان من حلو فهو لكم، وما كان من مر هو لأهل الكتاب؛ كأنه يرى أن ذلك في المسلمين؛



علي بن الحسين

عن حكيم بن جبير، قال: سألتُ سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾، فقلتُ: زعَم قوم أنها نزلَتْ على بني إسرائيل، ولم تَنزِلْ علينا. قال: اقْرَأ ما قبلَها وما بعدَها. فقرأتُ عليه، فقال: لا، بل نزَلتْ علينا

ثم لَقيتُ مِقْسَمًا مَوْلى ابن عباس، فسألتُه عن هؤلاء الآيات التي في المائدة، قلتُ: زعَم قوم أنها نزلَتْ على بني إسرائيل، ولم تَنزِلْ علينا. قال: إنه قد نَزَلَ على بني إسرائيل ونَزَل علينا، وما نزَلَ علينا وعلَيهم فهو لنا ولهم. ثم دخلتُ على عليِّ بن الحسين، فسألتُه عن هذه الآيات التي في المائدة، وحدَّثتُه أني سألتُ عنها سعيد بن جُبير ومِقْسَمًا. قال: فما قال لك مِقْسَمٌ؟ فأخبرتُه بما قال، قال: صَدَق، ولكنه كُفرٌ ليس ككُفْرِ الشرك، وفِسْقٌ ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك. فلَقيتُ سعيد بن جُبير فأخبرتُه بما قال، فقال سعيد بن جبير لابنه: كيف رأيتَه؟ لقد وجدتُ له فضلًا عليك وعليَّ وعلى مِقْسَم 

عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد



سعيد بن جبير 

قال ابن المنذر في تفسيره حدثنا زكريا، قال: حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي، قال: حدثنا محمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثني عطاء بن دينار الهذلي، عن سعيد بن جبير: ﴿وأخر متشابهات﴾» أما المتشابهات فهي آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرءوهن، ومن أجل ذلك يضل من ضل ممن ادعى بهذه الكلمة، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم أصابوا بها الهدى، وما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله ﷿: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ ثم يقرؤون معها: ﴿ثم الذين كفروا بربهم يعدلون﴾، فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق، قالوا: قد كفر، فمن كفر عدل به، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه، فهؤلاء الأئمة مشركون، ومن أطاعهم فيخرجون فيفعلون ما رأيت، لأنهم يتأولون هذه الآية، وفتحت لهم هذه الآية بابا كبيرا، وقولهم فيه لغير الحق ومن قولهم أنهم يقرؤون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فيجعلونها في المسلمين واحدة، وإنما أنزله الله في الناس جميعا، المشرك يعلم أن الله حق، وأنه خلق السماوات والأرض، ثم يشرك به، وآي على نحو ذلك، لو شعر كثر فيه القول، وتتأول السبئية إذ يقولون فيه بغير الحق إنما يقولون قول الله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، فيجعلونها فيمن يخاصمهم من أمة محمد ﷺ في بعث الموتى قبل يوم القيامة

تفسير ابن المنذر ١/‏١٢١ | الشريعة للآجري ١/‏٣٤١



عكرمة مولى ابن عباس

معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله، جاحدًا به فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. وهي رواية الوالبي عن ابن عباس

تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن ط دار التفسير ١١/‏٣٥٥


طاووس بن كيسان

٢٢٦٤٠- عن طاووس بن كيسان -من طريق سعيد المكي- ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، قال: ليس بكفر ينقل عن المِلَّة. [أخرجه سفيان الثوري ص١٠١، وابن جرير ٨/٤٦٥.]


الحسن البصري

٦٤٦٢ - حَدَّثَنَا أَبِي ثنا أَبُو زِيَادٍ الْقَطَّانُ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَحْكَامَ اللَّهِ كُلَّهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [تفسير ان ابي حاتم]


أبو مجلز لاحق بن حميد

٢٢٦٤١- عن أبي مجلز لاحق بن حميد -من طريق عمران بن حدير- أنّه أتاه الناس، فقالوا: يا أبا مجلز، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾؟ قال: نعم. قالوا: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾؟ قال: نعم. قالوا: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾؟ قال: نعم. قالوا: فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله؟ قال: نعم، هو دينُهم الذي به يحكمون، والذي به يتكلمون، وإليه يَدعون، فإذا تَركوا منه شيئًا علِموا أنه جَوْرٌ منهم، إنما هذه لليهود والنصارى والمشركين الذين لا يَحْكُمون بما أنزَل الله(٥٧). (٥/٣٢٧)عزاه السيوطي إلى عَبد بن حُمَيد، وأبي الشيخ. وأخرجه ابن جرير ٨/٤٥٧-٤٥٨ بنحوه، وفيه أنّ الذين سألوه نفر من الإباضية، وفي آخره: قالوا: أما واللهِ إنّك لتعلم مثل ما نعلم، ولكنك تخشاهم. قال: أنتم أحق بذلك مِنّا، أمّا نحن فلا نعرف ما تعرفون، ولكنكم تعرفونه، ولكن يمنعكم أن تمضوا أمركم من خشيتهم.


أبي صالح بن باذام

٢٢٦٤٢- عن أبي صالح باذام -من طريق أبي حيان- قال: الثلاث الآيات التي في المائدة: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿فأولئك هم الظالمون﴾، ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ ليس في أهل الإسلام منها شيء، هي في الكُفّار(٥٨). (٥/٣٢٥)أخرجه ابن جرير ٨/٤٥٧


عطاء بن أبي رباح

٢٢٦٤٤- عن عطاء بن أبي رباح، في قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾، قال: كفرٌ دون كفر، وظلمٌ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق(٦٠). (٥/٣٢٤)عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر


عبدالرحمن بن زيد بن أسلم

[٦٤٢٨] أخْبَرَنا أبُو يَزِيدَ القَراطِيسِيُّ، فِيما كَتَبَ إلَيَّ، ثَنا أصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ، ثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، يَقُولُ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ: مَن حَكَمَ بِكِتابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ بِيَدِهِ وتَرَكَ كِتابَ اللَّهِ، وزَعَمَ أنَّ كِتابَهُ هَذا مِن عِنْدِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ.


٢٢٦٤٩- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، قال: مَن حكم بكتابه الذي كتب بيده، وترك كتاب الله، وزعم أنّ كتابه هذا من عند الله؛ فقد كفر(٦٥)٢٠٩٥. (٥/٣٢٦)أخرجه ابن جرير ٨/٤٦١.


عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

قالوا: نترك الذنوب كفرا لقول الله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون) قال: أخطأتم التأويل، من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له فهو كافر فأما حاكم وقع حدا قد رآه عن صاحبه وهو مقر بالآية فلا يكون كافرا لأن الله قال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) وقال الله: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يبعثوا) وهؤلاء يؤمنون بالبعث، وأمير المؤمنين مجتهد لنفسه في الحكم بالعدل، وإحياء ما قد أميت منه، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم.[أنساب الأشراف للبلازري]


سفيان بن عيينة

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ» . قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنْ مِلَّةٍ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]

السنة لأبي بكر بن الخلال ٤/‏١٦٠



عبد العزيز بن يحيى الكناني

وَسُئِلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: إِنَّهَا تَقَعُ عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا عَلَى بَعْضِهِ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ ظَالِمٌ فَاسِقٌ، فَأَمَّا مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ، ثُمَّ لَمْ يَحْكُمْ [بِجَمِيعِ] مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا إِذَا رَدَّ نَصَّ حُكْمِ اللَّهِ عِيَانًا عَمْدًا، فَأَمَّا مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلٍ فَلَا. [تفسير البغوي]

أحمد بن حنبل

قال ابن هانئ: وسألته عن: حديث طاوس عن قوله: كفر لا ينقل عن الملّة؟

قال أبو عبد اللَّه: إنما هذا في هذِه الآية: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)﴾ [المائدة: ٤٤].

«مسائل ابن هانئ» (٢٠٤٢)


قال الخلال: أخبرني موسى بن سهل، قال: حدثنا محمد بن أحمد الأسدي، حدثنا إبراهيم بن يعقوب، عن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عن المُصرِّ على الكبائر بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة

والصوم والحج والجمعة، هل يكون مصرًّا أمن كانت هذِه حاله؟

قال: هو مصرُّ في مثل قوله ﷺ: «لا يَزْنِي الزّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ»، من يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ومن نحو قوله: «وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حين يسرق وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً. .» ومن نحو قول ابن عباس ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فقلت له: فما هذا الكفر؟ قال: كفر لا ينقل من الملة، مثل بعضه فوق [بعض]، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف الناس فيه.

فقلت له: أرأيت إن كان خائفًا من إصراره، ينوي التوبة، ويسأل ذلك، ولا يدع ركوبها؟ قال: الذي يخاف أحسن حالًا.

«أحكام النساء» للخلال | تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ٢/‏٥٢٦ — محمد بن نصر المروزي (ت ٢٩٤)

[نقل إسماعيل بن سعيد الشالنجي عن أحمد -وذكر له قول ابن عباس المتقدم - وسأله: ما هذا الكفر؟ قال أحمد: هو كفر لا ينقل عن الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.«فتح الباري» لابن رجب ١/ ١٣٩]

نقل حنبل عنه: كفر دون كفر، لا يخرج عن الإسلام.

«معونة أولي النهى» ١١/ ٨٠



أبو عبيد القاسم بن سلام

فَلَيْسَ لِهَذِهِ الْأَبْوَابِ عِنْدَنَا وُجُوهٌ إِلَّا أَنَّهَا أَخْلَاقُ الْمُشْرِكِينِ، وَتَسْمِيَتُهُمْ، وَسُنَنُهُمْ، وَأَلْفَاظُهُمْ، وَأَحْكَامُهُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ.

وَأَمَّا الْفُرْقَانُ الشَّاهِدُ عَلَيْهِ في التنزيل، فقول الله جل وعز: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾ [المائدة:٤٤] .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ».

وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أبي رباح: «كفر دون كفر».

فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَيْسَ بِنَاقِلٍ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الدِّينَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ خَالَطَهُ ذُنُوبٌ، فَلَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا خِلَافُ الْكُفَّارِ وَسُنَّتِهِمْ، عَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ مِنَ الشِّرْكِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْكُفَّارِ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة:٥٠] .

تَأْوِيلُهُ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ مَن حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَهُوَ عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَانَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَذَلِكَ كَانُوا يَحْكُمُونَ. [الإيمان - أبو عبيد ١/‏٨٩]



الترمذي

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سِبَابُ» الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قِتَالُهُ كُفْرٌ، لَيْسَ بِهِ كُفْرًا مِثْلَ الِارْتِدَادِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قُتِلَ مُتَعَمَّدًا فَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ كُفْرًا لَوَجَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَفُسُوقٌ دُونَ فُسُوقٍ.

سنن الترمذي - ت بشار ٤/‏٣٧٦ 



محمد بن نصر المروزي

 ذكر عن طائفة من أصحاب الحديث قالوا: فمن ثم قلنا: إن ترك التصديق بالله كفر به، وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه أوجبها كفر ليس بكفر بالله إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل: كفرتني حقي ونعمتي، يريد ضيعت حقي، وضيعت شكر نعمتي، قالوا: ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله ﷺ، والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله، لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام من ذلك قول ابن عباس في قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ [المائدة: ٤٤]

تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ٢/‏٥٢٠


وقال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالُوا: وَقَدْ صَدَقَ عَطَاءٌ قَدْ يُسَمَّى الْكَافِرُ ظَالِمًا، وَيُسَمَّى الْعَاصِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ظَالِمًا، فَظُلْمٌ يَنْقُلُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَظُلْمٌ لَا يَنْقُلُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] وَقَالَ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]

تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ٢/‏٥٢٢


أبو منصور الأزهري

وقوله جل وعز: ﴿ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ (المائدة: ٤٤) معناه أن من زعم أن حكما من أحكام الله الذي أتت به الأنبياء باطل فهو كافر.

وقد أجمع الفقهاء أن من قال: إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حرين كافر، وإنما كفر من رد حكما من أحكام النبي ﷺ لأنه مكذب له.

ومن كذب النبي ﷺ فهو كافر.

تهذيب اللغة ١٠/‏١١١



أبو أحمد القصاب

قال في كتابه نكت القرآن فباء بالكافرين والظالمين والفاسقين أهل التوراة من اليهود، والإنجيل من النصارى، وأهل الفرقان من ثلاثتها بنعمة الله سالمون……

فيقال لمن يحتج بها من الشراة وغيرهم في تكفير أهل القبلة بالذنوب: ما حجتكم في التسوية بين الجميع، وأهل الفرقان عالمون بأن أحكام الله المنزلة في كتابه حق والحكم بها عليهم فرض، وأنهم

بتركها عاصون، وعلى إضاعتها معاقبون، وهم مع ذلك مسلمون، ومن أنزلت فيهم الآيات يهود ونصارى لا يرتاب بكفرهم جميع أهل النحل. أيجوز لمتوهم يتوهم أنهم قبل أن يحكموا رسوله الله ﷺ،ويدعوا حكم التوراة لم يكونوا كافرين، ولا ضرهم رد نبوته وجحود رسالته، فاستوجبوا الكفر بترك حكم التوراة في الزمنين، كما تزعمون أن الموحد من المسلمين يكفر بترك حكم الله إلى ضده.

فإن قالوا: إن هذا يجوز توهمه وتحققه بان كفرهم وكفيت مؤنتهم.

فإن قالوا: بل كانوا قبل الحكم برد النبوة كفارا فصار تغييرهم الحكم زيادة في كفرهم، قيل لهم: فما وجه تكفيركم من قبل نبوة محمد ﷺ وصار بها مسلما - بتركه استعمال حكم الله. أيكون زيادة في كفر ليس فيه، أم يكون مضموما إلى إسلام ليس من جنسه، أم يحبط إحسان عمر طويل بإساءة لحظة، ويهدم به ما أصلتموه في باب العدل. أم تكون نفس واحدة كافرة بإساءتها مؤمنة بإحسانها، تستوجب بنصيب إيمانها الخلود في الجنة، وبنصيب كفرها الخلود في النار، هذا - والله - أفحش مقال وأقبح انتحال.

فإن قال الشراة: ليس من النصفة أن تحتج علينا بأن الآية نزلت في الرجم الذي أدته إليك الأخبار، ونحن لا نؤمن بها.

قيل لهم: اجعلوه في أي حكم شئتم، أليس يكون منزلا في غير أهل الفرقان، فإن قالوا: أفلا يجوز أن يكون نزوله فيهم، فيدخل من عمل بعملهم معهم،.

قيل: بلى إذا ساووهم في الكمال كانوا مثلهم في الأفعال، وسموا به كفارا وإن عملوا ببعض أفعالهم، ولم يساووهم في جميع صفاتهم كانوا عصاة بذلك الفعل.

فنقول من حكم بضد حكم الله مدعيا به على الله أو جاحدا بما أنزله

من أحكامه فهو كافر، لأن من جحد القرآن، وقد شهد الله بإنزاله، أو نسب إليه ما لم ينزله، فقد كذب عليه، ومن كذب عليه لم يرتب بكفره، لقوله ﷻ: (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) فسماهم كفارا، فمن كان تاركا لما أنزل الله في أحكامه على هذه الصفة، فقد ساوى من أنزلت فيهم الآيات من اليهود والنصارى واستحق اسم الكفر والظلم والفسق. ومن حمله حرص الدرهم والدينار، أو بلوغ ثأر، أو شهوة نفس على ترك حكم الله، وهو عالم بعدوانه عارف بإساءته، حذر من سوء صنيعه، مصدق لربه فيما أنزل من الأحكام، شاهد عليها بالحق المفترض عليه العمل به، ولم يساوهم فيها، وهو باق على إسلامه عاص لربه، فأفعاله تستوجب عقوبته إن لم يجد بالصفح عنه……

وكذلك الكفر قد يكون بالله، ويكون بنعمه. والكفر في اللغة: ستر الحق فيجوز أن يكون الحاكم بغير ما أنزل الله ساترا لأحكامه وهو مسلم، ويكون ساترا لها وهو كافر وتختلف درجات الكفر في صفاقة، الستر ورقته، فيكون الجاحد بالغا أقصى عرضة والعاصي مجامعه في الفعل الظاهر مخالفه في الضمير الباطن فلا يستويان في العقوبة ولا يلتقيان في الدرجة، هذا مالا يذهب على من قصد الحق بنصح واستقامة، وأضرب عن اللجاج والغلبة بباطل الاحتجاج.


الطبري

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن كتم حُكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكمًا يين عباده، فأخفاه وحكم بغيره، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم، وكتمانهم الرجم، وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية، وفي الأشراف بالقِصاص، وفي الأدنياء بالدية، وقد سوَّى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة="فأولئك هم الكافرون"، يقول: هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه، ولكن بدَّلوا وغيروا حكمه، وكتموا الحقَّ الذي أنزله في كتابه="هم الكافرون"، يقول: هم الذين سَتَروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينُه، وغطَّوه عن الناس، وأظهروا لهم غيره، وقضوا به، لسحتٍ أخذوه منهم عليه.


ثم قال بعد ذكر الآثار والخلاف في معنى الكفر في الآية


وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فَفِيهِمْ نَزَلَتْ وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا، وَهَذِهِ الْآيَاتُ سِيَاقُ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، فَكَوْنُهَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَكَيْفَ جَعَلْتَهُ خَاصًّا؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ جَاحِدِينَ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ مَا تَرَكُوهُ كَافِرُونَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ، هُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حَكَمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ نَظِيرَ جُحُودِهِ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَبِيُّ [تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث ١٠/‏٣٥٨]


بكر بن العلاء القشيري

قال: وقد نص اللَّه في ذلك في أمر اليهود وأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فخالفوا ما كتب عليهم في التوراة، فقال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، فكان ظاهر ذلك يدل على أنه من فعل فعلَهم، واخترع حكمًا خالف به حكم اللَّه، وجعله دينًا يعمل به فقد لزمه ما لزمهم، حاكمًا كان أو غير حاكم.

وقد روى عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يزيد بن أبي سفيان، وقالوا: هي لنا حلال، وتأولوا هذه الآية: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا [وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة: ٩٣] الآية، فكتب فيهم إلى عمر فاستشار فيهم الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نرى أنهم كذبوا على اللَّه، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به، فاضرب أعناقهم، وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، وإنهم كذبوا على الله وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين.

قال القاضي: وهذا القول اتفاق من عمر وعلي على أن من شرع شرعا يخالف كتاب الله، كان له حكم من تقدمه ممن خالف الكتاب

أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي ١/‏٤٨٦



ابن أبي زمنين

قال في كتابه أصول السنة بعدما ساق أحاديثا: فهذه الأحاديث وما أشبهها معناها أن هذه الأفعال المذكورة فيها من أخلاق الكفار والمشركين وسننهم منهي عنها ليتحاشاها المسلمون، وأما أن يكون من فعل شيئا منها مشركا بالله أو كافرا فلا، 

يدلك على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشرك أخفى من دبيب النمل على الحجر فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل اللهم إني أعوذ أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم

حدثني بذلك إسحاق عن أسلم عن يونس عن ابن وهب قال: أخبرني ابن أنعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشرك أخفى من دبيب النمل وذكر الحديث ومصداق ذلك قول الله في آدم وحواء: فلما آتاهما صالحا-ولد ذكر- جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون وذلك إنما سمياه عبد الحارث، وعلمنا أن ثم شركا غير شرك من يجعل معه إلها، ومن ذلك قوله ﷻ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال ابن عباس لسائل سأله عن ذلك: ليس هو كفر ينقل عن الملة.


وقال في تفسيره

﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَمَنْ لَمْ يحكم بِمَا أنزل الله﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دِينًا وَيُقِرَّ بِهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.

تفسير القرآن العزيز 

لابن أبي زمنين ٢/‏٣٠


أبو المظفر السمعاني

﴿وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ﴾ قَالَ الْبَراء بن عَازِب - وَهُوَ قَول الْحسن -: الْآيَة فِي الْمُشْركين. قَالَ ابْن عَبَّاس: الْآيَة فِي الْمُسلمين، وَأَرَادَ بِهِ كفر دون كفر، وَاعْلَم أَن الْخَوَارِج يستدلون بِهَذِهِ الْآيَة، وَيَقُولُونَ: من لم يحكم بِمَا أنزل الله فَهُوَ كَافِر، وَأهل السّنة قَالُوا: لَا يكفر بترك الحكم، وللآية تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا مَعْنَاهُ: وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله ردا وجحدا فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ. وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: وَمن لم يحكم بِكُل مَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ، وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يتْرك الحكم بِكُل مَا أنزل الله دون الْمُسلم

.

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم